
في العمليات العسكرية عمومًا، لا يتم اختيار الأسماء عشوائيًا، كونها تؤدي أدوارًا استراتيجية، على صعيد التنظيم لتسهيل التنسيق الميداني، والدعاية لبث الرسائل، والتضليل، لإرباك العدو، وفي الحالة الإسرائيلية، يظهر العنصر الرابع: الرمز المقدس، الذي يجرى استثماره لتبرير العنف، وتحويله من ممارسة سياسية إلى فعل إيماني!
اختارت إسرائيل لعمليتها العسكرية ضد إيران اسمًا رمزيًا «الأسد الصاعد»، ورغم الطابع الفني أو التعبوي، إلا أن جذوره تمتد في العمق الديني والثقافي اليهودي، حيث يحمل دلالات توراتية تعود لما يُعرف بـ«أسد يهوذا»، الذي يعبر عن «قوة وسيادة قبيلة يهوذا»، إحدى قبائل بني إسرائيل التاريخية.
يُشير «الأسد الصاعد»، إلى أن الاختيار ليس مجرد اسم بلاغي لعملية عسكرية، بل خطاب متكامل يستند إلى رواية دينية تُضفي على العمل العسكري هالة من «القداسة»، وفي سفر التكوين (أحد أسفار العهد القديم)، يبارك يعقوب ابنه يهوذا بوصفه «جرو أسد»، ويعده بالسيادة والقيادة.
الإشارة التوراتية تحولت، لاحقًا، إلى رمز سياسي في الوجدان الصهيوني، ويتعزز هذا الرمز في الأدبيات اليهودية باعتباره تعبيرًا عن «قوة دفاعية مقدسة»، وتمجيدًا للتفوق والسيطرة، وهو ما تسعى إسرائيل لتصديره في عمليتها، الحالية، ضد إيران.
ويتماهى التوظيف الرمزي لـ«أسد يهوذا»، مع رواية إسرائيل لنفسها كقوة تواجه «تهديدات وجودية»، في مقدمتها البرنامج النووي الإيراني، رغم أنها، وبحسب معظم التقديرات الدولية، تملك ترسانة نووية غير معلنة، تهدد عموم منطقة الشرق الأوسط!
تتعدى دلالة «الأسد الصاعد» الميدان العسكري لتتحول إلى أداة لتوجيه الرأي العام والتأثير النفسي فيه، بهدف صناعة حالة اصطفاف داخلي للعملية، وتقديمها خارجيًا في صورة «الرد الشرعي»، وهذه الاستراتيجية تعد أسلوبا متكررًا في التسميات العسكرية الإسرائيلية.