
في إطار جهود الدولة لتعزيز الشراكة بين فروع السلطة الثلاثة، شاركت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، في الجلسة العامة لمجلس النواب، برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، وذلك بمشاركة أحمد كجوك، وزير المالية، لمناقشة مشروع الموازنة وخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي 2025/2026. وقد أوضحت الوزيرة خلال كلمتها أهمية الحرص على التواصل المستمر مع البرلمان لضمان تنفيذ كل خطط الدولة بشفافية وفعالية، مع التأكيد على أن هذا التعاون يُعتبر ركيزة أساسية لتحقيق الأهداف الوطنية المشتركة.
توجّهات الحكومة نحو تعزيز الشراكة مع البرلمان
أكدت الوزيرة خلال كلمتها أن تواجدها في أروقة مجلس النواب الموقر يعكس قناعتها الراسخة بضرورة التفاعل البناء مع أعضاء المجلس، والعمل على توضيح تفاصيل خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل متكامل. ورحّبت بأسئلة النواب والنقاشات التي تأتي من منطلق الاهتمام بتحقيق المصلحة العامة، مشددة على أن الحكومة تبذل جهودًا كبيرة لضمان تنفيذ الخطة بشكل يتوافق مع التحديات الراهنة والفرص المستقبلية. كما أشارت إلى أن الدعم المستمر من البرلمان يُعد من العوامل المهمة في مسيرة الإصلاحات الاقتصادية، والتي تهدف إلى تحسين البيئة الاستثمارية وتعزيز النمو.
الإصلاحات الهيكلية: ركيزة أساسية للاستقرار الاقتصادي
أشارت الوزيرة إلى أن خطة 2025/2026 تُعد تابعة للبرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية، الذي يهدف إلى ترسيخ استقرار الاقتصاد الكلي وتعزيز قدرته على الصمود أمام التحديات الخارجية. وتضمنت هذه الإصلاحات تحسين بيئة الأعمال، ودفع عجلة التحول الأخضر، وتعزيز التنافسية من خلال مجموعة من الآليات التي تشمل حوكمة الاستثمارات العامة. كما أشارت إلى أن هذه الإصلاحات تأتي في إطار توجّهات الدولة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتعزيز الشراكات الاستثمارية مع الشركاء الإقليميين، مما يُساهم في تنويع مصادر التمويل وتحقيق التوازن المالي.
إعادة هيكلة الهيئات الاقتصادية: خطوة نحو الكفاءة والفاعلية
أشارت الوزيرة إلى أن الدولة تبذل جهودًا مكثفة لتعزيز كفاءة الهيئات الاقتصادية، حيث تمت تشكيل لجنة عليا للاستثمار في مايو 2023، تتماشى مع قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3994 لسنة 2022. وتضمنت المرحلة الأولى من الإصلاح فحص 59 هيئة اقتصادية لتحديد مصيرها، سواء عبر البقاء كهيئات اقتصادية أو تحويلها إلى هيئات عامة، أو دمجها، أو تصفية إنشائها. كما أفادت بأن الاجتماعات مع مسؤولي وزارة المالية أفضت إلى تحليل تفصيلي لموقف كل هيئة، مما يُعد خطوة أولى نحو إعادة هيكلة قطاعات التخطيط والتنمية بشكل أكثر فاعلية.
سقف الاستثمارات العامة: توازن بين الإصلاح والتنمية
أكدت الوزيرة على أن مشروع خطة 2025/2026 يراعي الحفاظ على سقف الاستثمارات العامة، الذي يُعد ركيزة أساسية لاستقرار الاقتصاد الكلي. وتضمن هذا السقف تخصيص نحو 1.158 تريليون جنيه للاستثمارات العامة في العام المالي القادم، مقارنة بتوقعات العام الماضي التي بلغت تريليون جنيه. كما أشارت إلى أن الوزارة تعمل على تدريب الوزارات المعنية على إدخال بيانات الاستثمارات في المنظومة الإلكترونية، مما يُسهم في تحسين الشفافية وتقليل الفوضى الإدارية. وتم تخصيص نسبة كبيرة من هذه الاستثمارات لقطاعات الصحة والتعليم، مما يعكس أولوية الدولة للتنمية البشرية.
أولوية الاستثمار في التنمية البشرية: ركيزة للتنمية المستدامة
رغم ضغوط الحوكمة المالية، حرصت الدولة على توجيه نحو 327 مليار جنيه لقطاعات الصحة والتعليم والبحث العلمي، والتي تشكل أكثر من 28% من إجمالي الاستثمارات العامة. وتعتبر هذه الاستثمارات دليلًا على التزام الحكومة بتحقيق التنمية البشرية التي تُعد محورًا أساسيًا في رؤية مصر 2030. كما أشارت الوزيرة إلى أن الوزارة تتعاون مع وزارات التعليم والصحة لدراسة الاحتياجات بشكل مفصل، مما أدى إلى تلبية متطلبات وزارة الصحة كليّة، وإطلاق مشروعات جديدة في قطاعات التعليم والخدمات الاجتماعية.
تنفيذ المشروعات المُتقدمة: تعزيز الفائدة للمواطنين
أكدت الوزيرة على أن الخطة تعطي أولوية للمشروعات التي تمت ترسيخها، أو تلك التي تقترب من الإنجاز، لضمان توفير التمويل الكامل لها حتى تدخل الخدمة في أقرب وقت ممكن. كما ذكرت أن الخطة تراعي زيادة اهتمامها بالتنمية البشرية، ودعم مشروعات الأمن الغذائي والطاقة، والبنية التحتية، بالإضافة إلى تحفيز الابتكار وريادة الأعمال. وشددت على أن هذه الأولويات تُعتبر جزءًا من مبادرة “حياة كريمة”، التي تهدف إلى تحسين جودة الحياة في الريف المصري.
تطوير منظومة تقييم الأداء الحكومي: رقمنة الشفافية
أشارت الوزيرة إلى تدشين منظومة “أداء” الوطنية، التي تمثل أول منصة إلكترونية لمتابعة أداء الوزارات والجهات الحكومية بشكل ربعي. وتتضمن المنظومة 36 وزارة وجهة حكومية، مع 1100 آلية تنفيذ وحوالي 4 آلاف مؤشر أداء. هذا المشروع يهدف إلى قياس تأثير البرامج التنموية على الأهداف المحددة، وتحقيق كفاءة الإنفاق العام، مما يُسهم في تحسين جودة الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين.
مبادرة “حياة كريمة”: تطوير الريف المصري لدعم التنمية الإقليمية
تُعد مبادرة “حياة كريمة” من الركائز الأساسية لرؤية مصر 2030، حيث تهدف إلى تحسين جودة الحياة في الريف المصري من خلال تطوير البنية التحتية وتحسين الخدمات الاجتماعية. وتضمنت المرحلة الأولى من المشروع 23 ألف مشروع في 1477 قرية، بتمويل 350 مليار جنيه، مع تركيز كبير على قطاعات البنية التحتية والصحة والتعليم. كما أشارت الوزيرة إلى أن 68% من المخصصات تذهب إلى محافظات الصعيد، والتي تستفيد منها 61% من المستفيدين، مع نسبة 70% من الاستثمارات الموجهة لبناء الإنسان.
التحديات في التنفيذ: تأثيرات التوترات الجيوسياسية والاقتصادية
أشارت الوزيرة إلى أن بعض المشروعات في المرحلة الأولى تواجه تأخيرًا بسبب عوامل اقتصادية، مثل تقلب سعر الصرف، وارتفاع التضخم، وتأثير التوترات الجيوسياسية على سلاسل التوريد. ورغم ذلك، أشارت إلى أن نسبة التنفيذ وصلت إلى 88%، مع انتهاء تطوير أكثر من 500 قرية. كما أفادت بأن الحكومة تخطط لإنجاز جميع المشروعات خلال العام المالي 2025/2026، مع تركيز خاص على مشروعات مياه الشرب والصرف الصحي، والتي تم تمويلها من خلال التمويلات الدولية الميسرة.
تخصيص موارد لتجهيز التعداد الاقتصادي: دعم لصناعة القرار
أشارت الوزيرة إلى أن خطة التنمية تخصص موارد لتجهيز التعداد الاقتصادي الجديد، الذي يُعد أداة حاسمة لجمع بيانات دقيقة عن الأنشطة الاقتصادية المختلفة، وقياس مساهماتها في الناتج المحلي الإجمالي. كما أشارت إلى أن هذه البيانات تشمل القطاع غير الرسمي والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، مما يساعد في تحسين سياسات الاستثمار واتخاذ قرارات أكثر دقة. هذا التعداد يُعتبر خطوة نحو تحسين منظومة التخطيط المالي والاقتصادي، وتوفير نظرة شاملة عن الواقع الاقتصادي.
متابعة تعويضات نزع الملكية: ضمان حقوق المواطنين
أكدت الوزيرة على اهتمام الدولة بتعويضات نزع الملكية، حيث ارتفع مبلغ الاعتمادات من 12.35 مليار جنيه عام 2024 إلى 16 مليار جنيه في 2025، مع توجيه جزء كبير منها لمحافظة الجيزة. كما أشارت إلى أن الوزارة تعمل على ربط منظومة البنية المعلوماتية المكانية مع نظام المحليات، لتفعيل قانون التصالح في مخالفات البناء، وتسهيل إتاحة الخدمات مثل جهة الولاية وموقف التصالح عبر المنظومة الإلكترونية.
ختامًا: رؤية موحدة لمستقبل مصري مستدام
ختامًا، أكدت الوزيرة على أن التعاون المستمر مع البرلمان يُعد بوابة لنجاح الخطة، مع التأكيد على أن كل خطوة تُتخذ تهدف إلى تعزيز القدرة الاقتصادية والاجتماعية للدولة. كما أشارت إلى أن روح الشراكة والشفافية تُعتبر مفتاحًا لمواجهة التحديات، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، مع التأكيد على أن مصر تمضي قدمًا في مسيرتها نحو التطور، رغم الظروف الدولية الصعبة.