صراحة نيوز- عوض ضيف الله الملاحمة
أهتم كثيراً بالمغتربين الأردنيين ، وأتابع أخبارهم العامة ، والخاصة مع بعضهم . كيف لا وهم أبناء جلدتي ، أبناء الأردن الحبيب ، الذين شاركوني الغربة عن الوطن والأحبة .
الغربة موت بطيء ، الغربة نفي من الأوطان ، سواء كانت ( إجبارية ) :—لمن تُقصيهم أوطانهم — ولا يتسع حضنها وصدرها لهم ولأفكارهم وإحترام قناعاتهم — او ( إختيارية ) :— لكنها ليست إختيارية بالمطلق اذا كان سببها السعي للبحث عن وضع مالي أفضل ، ومحاولة بناء مستقبل يليق .
كيف لا أتابع أخبار المغتربين الأردنيين الذين تشاطروا معي قسوة الغربة عن الوطن ؟ وانا الذي إمتدت غربته الى ( ٣٤ ) عاماً : ( ٤ ) أعوام للدراسة في جامعة بغداد ، و ( ٢٠ ) عاماً متصلة في ابوظبي الحبيبة — التي أكرمتني ، وأعزتني ، وعوضتني — ، و ( ١٠ ) سنوات في زيارات عمل لغايات إستشارية .
ولأنني في غربتي لم أكن منكفئاً على نفسي ، حيث كنت مثلي مثل غالبية رجالات الجالية الأردنية في ابوظبي في ذلك الزمان الجميل ، وانا أقلّهم عطاءاً للجالية ، وحضوراً ، وتميزاً ، فغالبيتهم يبزونني ويتفوقون ويتقدمون عليّ حضوراً وتفاعلاً في أوساط الجالية . وهذا مكنني من معرفة خفايا ، وخبايا الغربة وسبر أغوار مكنوناتها وهضم إيجابياتها لتعظيمها وسلبياتها للحد من آثارها .
والآن ، أرى انه من الضرورة ان نُعرِّف من هو المغترب ، وما إهتماماته ، وأولوياته ، وما الآليات الواجب إتباعها لإستقطابه وإقناعه بالإستثمار في وطنه الذي سيعود له يوماً ، ويحتاج عند عودته ان يكون قد سبقه تأسيس ركيزة مالية يعتمد عليها في وطنه الأم . خاصة وانني واثق تماماً من ان جهود مؤسسة الضمان الاجتماعي لإقناعهم بالإشتراك الإختياري في الضمان الإجتماعي لم تصلهم بعد بالمستوى المطلوب لحد الآن .
تعريف المغترب هو : شخص يحمل جنسية بلد ما ، ويقيم ، ويعمل مؤقتاً او دائماً في بلدٍ آخر . الغربة تعني ترك الوطن والإغتراب ، هي موت قبل الموت ، لأنك تعيش عمرك بإشتياقٍ دائم لبيتك ، واسرتك ، وأصدقائك ، وبيئتك التي ولدت وترعرت وكبرت فيها وألِفتها وأصبحتْ تُشكِّل جزءاً من كينونتك . الغربة تجبرك على البعد عن كل ذلك ، مما يضطرك للبحث عن أُناس جُدد ، والتعايش مع بيئة غريبة جديدة للتعويض ولو قليلاً .
أَهم ما يُشغِل فكر المغترب يتمثل في توفير دخل شهري لضمان حياة كريمة له ولأسرته بعد عودته النهائية للإستقرار في الوطن . وهذا لا يتحقق للغالبية العظمى من المغتربين . حيث تتحول حياتهم من يُسرٍ ورخاء ، الى عوزٍ وضنك وضيق حال .
وسأسرد لكم قصة عشتها مع زملائي المغتربين الأردنيين من أعضاء الجمعية الأردنية في ابوظبي ، في بدايات ثمانينات القرن الماضي . حيث سعى مجموعة من المغتربين الأردنيين الذين كانوا يقيمون في أبو ظبي تحديداً والإمارات العربية المتحدة عامة للإشتراك في الضمان الإجتماعي .
منطلقين من قاعدة ان المغترب يكون دخله كافياً ليعيش حياة كريمة وربما يدّخر شيئاً منه . لكنه يود البحث عن دخل ثابت ضماناً لحياة كريمة في شيخوخته .
تواصلنا مع إدارة الضمان الإجتماعي في ذاك الزمان لتعديل القانون والسماح لمن يرغب من المغتربين الإشتراك . ودعونا المدير العام ومساعديه غير مرّة ، وتحمّلنا كافة متطلبات وكُلف سفرهم وإقامتهم ، للإلتقاء بالمغتربين لتلك الغاية ، لكننا فشلنا . وبتدخل مباشر من جلالة الملك الحسين رحمه الله ، تم تعديل القانون ، وسُمِح للمغتربين بالإشتراك في الضمان الإجتماعي إختيارياً . ومن شدّة حرصي على الإشتراك في الضمان ، كان ترتيبي الثاني بين المغتربين المنتسبين للضمان الإجتماعي .
المغتربون يمثلون الوطن خير تمثيل ، فهم ( سفراء الوطن ) ، كما سماهم الراحل الحسين . كما يقومون بدور وطني متميز بتحويلاتهم ، حيث يرفدون البنك المركزي بما لا يقل عن ( ٤ ) مليارات دولار سنوياً من العملات الصعبة .
لكن علينا ان نفصل ونميز بين (تحويلات ) المغتربين ، ( ومدخراتهم ) . فمدخراتهم تصل الى مبالغ عظيمة قد تصل الى المليارات من الدولارات . وهكذا مبالغ ضخمة اعتقد انها تستحق العناء ، والمتابعة ، والعمل على إستقطابها للإستثمار في وطنهم الأم .
من الخطأ ان نخلط بين تحويلات المغتربين ومدخراتهم . لأن تحويلاتهم ليست وفراً أبداً ، لأنها تذهب عموماً الى جهتين : —
١ )) :— مساعدة الأهل والعائلة وبعض الأقارب .
٢ )) : لتغطية بعض الإلتزامات الشخصية مثل : تحويل أقساط شقق او مساكن او نفقات أسرية لمن لا ترافقهم عائلاتهم في بلدان الإغتراب او لتغطية بعض المصاريف النثرية مثل : إستدامة الخدمات لبيوتهم او مزارعهم او غيره من هذا القبيل .
تحويلات المغتربين لا شيء مع ما يدخره
ويستثمر به المغتربين خارج الوطن . فاذا تم تعزيز الثقة بين المواطن الأردني المغترب وبين الجهات الأردنية ذات الصلة بالإستثمار فانني واثق من ان المغتربين الأردنيين قادرون على إقامة وتمويل مشاريع بالمليارات .
في ثمانينات القرن الماضي ، كان يُعقد مؤتمراً سنوياً للمغتربين الأردنيين . حيث كنا نحظى برعاية وعناية من الدولة الأردنية ، وخاصة من الراحل الملك الحسين . مُقترحاً إعادة عقد مؤتمر سنوي للمغتربين الأردنيين في صيف كل عام . وان يتم إستقطاب إستثماراتهم ، بخلق ثقة بينهم وبين المؤسسات الرسمية الأردنية ، وطرح مشاريع وطنية كبيرة يكون نصيب الأسد فيها للمغتربين الأردنيين لتمويلها ، مثل تمويل ( الناقل الوطني ) ، وأنا متأكد من انهم سيمولون غالبية كُلفة المشروع اذا أُحسِنت إداراة هذه الخطوة الوطنية الجريئة .
وأختم وأقول ، أتمنى الإهتمام في المغتربين الأردنيين لتحقيق غايتين عظيمتين لهم وللوطن ، وهما :— ١ )) توسيع قاعدة المشتركين إشتراكاً إختيارياً في الضمان الإجتماعي . و ٢ )) لإستقطاب مدخراتهم لإستثمارها في وطنهم .

