أكد الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن من أخطر الأوهام المنتشرة في الوعي الديني حاليًا ما وصفه بـ«وهم الإله المتربص»، موضحًا أن هذا الوهم يدفع كثيرًا من الناس في مواسم مثل رجب وشعبان ورمضان إلى التعامل مع العبادة بقلق مفرط، فيضعون جداول وخططًا وأجندات بدافع الخوف من الفوات، أو ما يسميه الشباب اليوم بـ«الفومو»، وكأن الله سبحانه وتعالى ينتظر لحظة تقصير ليقول للعبد إن الفرصة انتهت.
وأوضح الدكتور عمرو الورداني، خلال حلقة برنامج “مع الناس”، المذاع على قناة الناس اليوم الأربعاء، أن هذا التصور الخاطئ يصنع علاقة مضطربة مع الله، تقوم على الترقب والخوف بدلًا من الرحمة والبشرى، مؤكدًا أن الأشهر الحرم هي في حقيقتها «أشهر مدد ورحمة»، لا مواسم تهديد أو إنذار، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم عن أن ثلث السنة زمن للمدد، ومشيرًا إلى أن الواجب هو استبدال الخوف بالبشرى، لا العكس، لأن الله سبحانه وتعالى بدأ كتابه بـ«بسم الله الرحمن الرحيم» وقال عن نبيه: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين».
وبيّن أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية أن وهم الإله المتربص لم ينشأ من فراغ، بل زُرع في الوعي الديني عبر سنوات طويلة، من خلال تصور خاطئ لعلاقة الإنسان بالله، قائم على فكرة المحاسبة القاسية والترصد، وكأن الله عقد صفقة مع الإنسان وينتظر فشلها، مؤكدًا أن هذا الفهم هو من أسباب ما وصفه بـ«الإلحاد العاطفي» عند بعض الشباب، وشعور آخرين بأن الدين عبء ثقيل وضغط نفسي.
وأشار إلى أن الله سبحانه وتعالى ليس مشروعًا ينتظر نجاحه أو فشله، فالإنسان ليس تجربة عند الله، بل هو مخلوق لله، والله «فعال لما يريد»، موضحًا أن الإنسان حين يفقد الإحساس بالأمان في الحياة، ينقل هذا الخوف إلى علاقته بالله، فيتصور علاقة قاسية مشوهة، فيتحول الدين من ملاذ وأمان إلى مصدر قلق إضافي، بدلًا من أن يكون مساحة رحمة وسكينة.
وأكد الدكتور عمرو الورداني أن الخلل الحقيقي يحدث حين يُنتزع معنى السكن والطمأنينة من العلاقة مع الله، رغم أن الله سبحانه وتعالى جعل السكينة والرحمة أصلًا في كل علاقاته بخلقه، كما قال تعالى: «لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة»، مشددًا على أن تشويه صورة الله في القلوب يحوّل الدين من مصدر أمان إلى حالة ترقب مشوبة بالقلق، وهو ما يستوجب تصحيح هذا التصور والعودة إلى فهم الدين بوصفه رحمة واحتواء لا خوفًا وضغطًا.

