ضربة استراتيجية نفذها المجلس الانتقالي الجنوبي ضد طرق الإمداد الحوثية في حضرموت والمهرة فجرت عاصفة افتراضية هستيرية من نخب سياسية وإعلامية، في مشهد كاشف يعري التناقضات الصارخة لقوى ظلت صامتة طوال سنوات التمدد الإيراني.
استهدفت العملية شرايين حيوية للمليشيات الحوثية كانت تمر عبر مناطق تحت سيطرة قوات المنطقة العسكرية الأولى المرتبطة بعلي محسن الأحمر، مما حول منصات التواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين إلى ساحة للخطابات الحارقة واتهامات “الخيانة” و“تقويض الوحدة”.
قد يعجبك أيضا :
يكشف الانفجار الافتراضي عن ذعر حقيقي ينتاب نخباً سياسية وإعلامية طالما انزوت أو خفت صوتها أمام زحف الحوثي وسيطرته على مناطق الشمال، لكنها وجدت في تحركات الانتقالي فرصة لإعادة إطلاق خطابها التقليدي، وكأن المعركة الحقيقية ليست ضد مشروع مسلح مدعوم إيرانياً، بل ضد أي محاولة لإعادة رسم موازين القوى.
جذور الهلع التاريخي
قد يعجبك أيضا :
ترتبط الهستيريا الحالية بسياق تاريخي عميق، حيث تنتمي كثير من هذه الأصوات التي ترفع اليوم شعارات “الوحدة المقدسة” و“السيادة” إلى مرحلة ما بعد حرب صيف 1994، عندما أسس الانتصار العسكري حينها لمركزية سياسية واقتصادية صارمة حولت المحافظات الجنوبية والشرقية – بما فيها حضرموت والمهرة – إلى ساحات لنهب الموارد وتهميش السكان.
تواجه هذه النخب اليوم تهديداً وجودياً لآخر أدوار “الوصاية” التي تمتعت بها، خاصة مع تحرك قوى محلية لسد ثغرة عسكرية وتأكيد سلطتها الفعلية على الأرض، في وقت أصبحت فيه أدوارها شكلية في ظل سيطرة الحوثي على القرار في الشمال.
قد يعجبك أيضا :
تناقض فاضح: صمت مع الحوثي، صراخ ضد المقاومة
يبرز المشهد تناقضاً صارخاً يثير السخرية والامتعاض، فطوال سنوات سيطرة الحوثي على صنعاء وتوسعه العسكري، لم تصدر هذه القوى نفس مستوى “النياح والنباح” حسب التعبير الشعبي المتداول، بل إن بعضها تعايش أو صمت أو انشغل بمعارك هامشية.
قد يعجبك أيضا :
لكن عندما تمسك قوة محلية بمصدر قوة معادي للتمدد الإيراني على أرضها، يخرج الجميع مدعياً أحقية التحدث باسم “الكل اليمني” و“السيادة الوطنية”، متناسين أن السيادة الحقيقية انهارت عندما سقطت مؤسسات الدولة بيد المليشيات.
مخاض واقع جديد
قد يكون هذا المشهد تعبيراً عن مخاض عسير لواقع جديد، لن يكون بالضرورة كما رسمته اتفاقيات الماضي، ولا كما تريده قوى النفوذ، بل كما ينشده أهل الأرض والموارد والشرعية، ليتجاوز خطابات “الوحدة” المجردة التي استخدمت كغطاء للهيمنة.
يرسل الواقع على الأرض رسالة واضحة: من يسعى حقاً لمواجهة الحوثي ويقطع طرق إمداده، فهو شريك في المعركة بغض النظر عن الخلافات السياسية المستقبلية، أما الذين لا همّ لهم سوى الحفاظ على امتيازات بائدة، والذين يخافون من صحوة الأرض أكثر من المد المسلح، فإن كلماتهم تبدو كعواء في فضاء طلق تأبى العوامل أن تستجيب لصداه.

