بعد مرور 160 عامًا عليه في قلب القاهرة، يودع البرلمان المصري مقره التاريخي بالقصر العيني، ليبدأ مرحلة جديدة من العمل التشريعي داخل العاصمة الإدارية الجديدة، و يمثل هذا الانتقال خطوة نوعية في تاريخ المؤسسات المصرية، حيث يواكب التطور العمراني والتقني ويتيح بيئة عمل حديثة للمجلس، دون أن يفقد المبنى التاريخي مكانته الرمزية في مسيرة الحياة النيابية المصرية.
وبعد هذا الانتقال التاريخي، ترك مجلس النواب عبر العقود الماضية العديد من المحطات العالقة بالذاكرة التي شكلت معالمه التشريعية والسياسية منذ عهد الخديوي إسماعيل وحتى الجمهورية الجديدة.
المبنى التاريخي والشهود على 160 عامًا من التشريع
يعد مبنى مجلس النواب، المعروف سابقًا باسم الشعب والأمة، من أعرق المباني الأثرية في وسط القاهرة، إذ يرجع تاريخ إنشائه إلى عام 1866، وقد كان المبنى شاهدًا على العديد من المواقف التاريخية، إذ بدأ دوره التشريعي في عهد الخديوي إسماعيل، الذي أعلن عن تأسيس أول برلمان مصري.
التحولات التشريعية بين الغرفتين والغرفة الواحدة
في عام 1883، شهدت الحياة التشريعية في مصر تحولًا كبيرًا بعد اعتماد نظام الغرفتين، حيث تم تأسيس مجلس شورى القوانين كالغرفة الأولى، والجمعية العمومية للتشريع كالغرفة الثانية. واستمر العمل بهذا النظام لمدة 30 عامًا.
ثم شهد العام 1913 تعديلًا في النظام السياسي المصري، حيث عاد البرلمان للعمل بنظام الغرفة الواحدة تحت اسم الجمعية التشريعية، قبل أن يعود مرة أخرى إلى نظام الغرفتين عام 1924، بموجب دستور 1923، ليتمتع البرلمان بصلاحيات رقابية واسعة، بما في ذلك حق سحب الثقة من الحكومة، ما جعله أحد أهم أدوات التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في مصر آنذاك.
مرحلة ما بعد ثورة 1952 والتحول الجمهوري
تغيرت الأمور بشكل جذري مع انطلاق أول مجلس تشريعي عقب ثورة 23 يوليو 1952، التي قادها الضباط الأحرار وشارك فيها الشعب، لتتحول الدولة من عصر الملكية إلى النظام الجمهوري، وبموجب دستور 1956 تم تأسيس مجلس الأمة في العام التالي، الذي تحول لاحقًا إلى مجلس الأمة للجمهورية العربية المتحدة بالتعيين عامي 1960 و1961.
دستور 1971 وما بعده
مع صدور دستور 1971، أصبح البرلمان بغرفتيه التشريعيتين (مجلسا الشعب والشورى) يتمتع بصلاحيات تشريعية ورقابية واسعة، قبل أن يشهد النظام السياسي المصري تعديلًا في عام 2014، حيث تم إلغاء نظام الغرفتين واعتماد نظام الغرفة الواحدة باسم مجلس النواب.
ومع الإصلاحات الدستورية اللاحقة، أعيد إحياء مجلس الشورى تحت اسم مجلس الشيوخ، بهدف الاستفادة من خبرات المتخصصين والكوادر المؤهلة، ليصبح بذلك البرلمان المصري معقلًا للتاريخ التشريعي والخبرة البرلمانية، مع استمرار تطوير الأداء النيابي بما يتوافق مع متطلبات الجمهورية الحديثة.
الانتقال إلى العاصمة الإدارية.. فصل جديد من التاريخ
بينما يطوي البرلمان صفحة تاريخية امتدت 160 عامًا في قلب القاهرة، يبدأ الآن فصلًا جديدًا في العاصمة الإدارية الجديدة، حيث يتميز المقر الحديث بالبنية التكنولوجية المتطورة، ومساحات العمل الواسعة، وتسهيل آليات التنسيق بين مختلف مؤسسات الدولة، ويظل مبنى القصر العيني شاهدًا رمزيًا على مسيرة البرلمان المصري، الذي عرف التحولات السياسية والتشريعية الكبرى منذ عهد الخديوي إسماعيل مرورًا بثورة 1952 وصولًا إلى الجمهورية الحديثة.
