
تُخطط أستراليا لتصبح الدولة الأولى في العالم التي تفرض حظرًا وطنيًا على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال دون سن السادسة عشرة، وهو قرار جريء يُعدّ خطوة مهمة نحو تعزيز الأمن الرقمي للأجيال الجديدة. تؤكد الدراسات والتجارب التي أجريت مؤخرًا أن تقنية التحقق من العمر يمكن أن تعمل بشكل فعّال دون الإخلال بخصوصية المستخدمين، مما يفتح آفاقًا جديدة للتنظيم المبتكر في هذا المجال.
نجاح التجربة المبتكرة لضمان العمر
أُجريت تجربة واسعة النطاق لتقنية التحقق من العمر، شارك فيها أكثر من ألف طالب ومئات من البالغين، بهدف تقييم كفاءة الأدوات الحالية في تحديد العمر دون جمع بيانات شخصية مفرطة. تشرف على هذه التجربة منظمة “نظام اعتماد التحقق من العمر” (ACCS)، وهي منظمة غير ربحية مقرها المملكة المتحدة، وترى النتائج التي تحققت أنها خطوة أساسية نحو تطبيق التشريعات المقترحة في أستراليا. وصرّح توني ألين، الرئيس التنفيذي لـ ACCS، بأن “لا يوجد عائق تقني كبير أمام ضمان العمر في أستراليا”، مشيرًا إلى أن الحلول الحالية قادرة على تحقيق التوازن بين الحماية والخصوصية.
نهج متعدد الطبقات في التحقق من العمر
يُعتمد نموذج التحقق المقترح على طريقة متعددة الطبقات، تبدأ بالتحقق التقليدي القائم على الهوية عبر وثائق مثل جواز السفر أو رخصة القيادة، ويتم تحليل هذه الوثائق من خلال أنظمة مستقلة، مما يضمن عدم وصول المنصات مباشرةً إلى بيانات المستخدم الشخصية. كما يضيف التقدير البيومتري طبقة إضافية، حيث يمكن للمستخدمين تحميل صورة شخصية أو مقطع فيديو قصير يُحلله الذكاء الاصطناعي لتحديد العمر، وتحافظ هذه الطريقة على سرعة العمليات دون تخزين البيانات البيومترية. العنصر الثالث هو الاستدلال السياقي، الذي يستخدم أنماط السلوك الرقمي مثل نوع البريد الإلكتروني واللغة المستخدمة لتقدير العمر بدقة، وهو لا يُعتبر موثوقًا به وحده، لكنه يُعزز النظام عند دمجه مع الطبقات الأخرى.
التحديات والمسؤوليات الجديدة
رغم النتائج الإيجابية التي حققتها التجربة، لا تزال هناك تحديات كبيرة. قد يحاول الأطفال تجاوز عمليات التحقق باستخدام شبكات الـVPN أو أجهزة مشتركة أو بيانات اعتماد مستعارة، وهو ما يضع على عاتق منصات التواصل الاجتماعي مسؤولية اكتشاف هذه الحلول البديلة ومنعها. ترى الحكومة الأسترالية أن هذه الخطوة تُظهر أن الخصوصية وحماية الطفل يمكن أن تُطبّق جنبًا إلى جنب، وتعتبرها مثالًا يُحتذى به للدول الأخرى، مثل المملكة المتحدة ونيوزيلندا وأعضاء الاتحاد الأوروبي.
عواقب الفشل والغرامات الصارمة
تُلزم التشريعات المقترحة منصات مثل إنستغرام وتيك توك وإكس باتباع “خطوات معقولة” لمنع القاصرين من الوصول إلى خدماتها، ويعني هذا أن المنصات يجب أن تلتزم بمعايير صارمة. وفي حال فشلها في الامتثال، قد تواجه غرامات تصل إلى 49.5 مليون دولار أسترالي (حوالي 32 مليون دولار أمريكي) لكل انتهاك، وهو ما يُعدّ تحديًا كبيرًا للشركات التي تتعامل مع جمهور عالمي.
مستقبل التنظيم الرقمي للأطفال
يُتابع العالم هذه الخطوة بانتباه، حيث تُعدّ أستراليا نموذجًا يُظهر أن التوازن بين الحماية الرقمية والخصوصية ممكن، مع التركيز على تطوير تقنيات تُحافظ على حقوق الأفراد. وبحسب ما أفاد متحدث باسم مكتب مفوض السلامة الإلكترونية، فإن “هذه التقنيات يمكن أن تكون خاصّة وقوية وفعّالة” إذا تم تطبيقها بشكل صحيح، مما يفتح الطريق لتنظيمات مستقبلية أكثر فعالية في حماية الأطفال من المخاطر الرقمية.